بداية الادب العربى ومراحله على مر العصور
الحياة
والحضارية الاُموية
40 ـ 132هـ
لقد اتّسمت حياة العرب في الجاهلية على العصبية القبلية، فلمّا بزغ نور الإسلام ذابت بعض هذه العصبيات وحلّ محلّها الانتماء إلى الجماعة الإسلامية من ناحية، ومن ناحية اُخرى شغلت الفتوحات الإسلامية قسماً من الشعراء اللامعين، حيث اُرسيت اُسس الدولة الإسلامية الجديدة حاملة مبادئ الدين الجديد.
وفي الوقت نفسه نلاحظ القسم الآخر من الشعراء الُمخضرمين ظلّوا طيلة بداية عهد الإسلام حتّى زمن معاوية ومروان بن الحكم، متمسّكين بعصبياتهم الجاهلية وإصرارهم على خذلان الدين الجديد، بالرغم من إسلامهم العلني وعدم إيمانهم به اضطراراً أو تأنا بلعب في منخيريّباً.
لذلك ظهرت هذه العصبية الجاهلية المكبوتة على يد جماعة من الشعراء، عاشت في ظلّ الحكم القبلي العشائري، وبالأخصّ زمن دولة آل مروان من بني اُميّة كـ: (الحطيئة، وجرير، والأخطل، ونصيب، والأحوص، والطرمّاح). فقسّمت الاُمّة إلى سنّة وشيعة وخوارج ومُرجِئَة، وهذه الفرقة الأخيرة كانت من الاُمويّين «وقالوا إنّنا نطيع الخليفة ولو كان فاسقاً ونرجئ أمره إلى الله، فالله هو
الذي يتولّى أمره»((1)).
من ناحية اُخرى فقد بنى الاُمويّون المدن أمثال مدينة واسط بين الكوفةوالبصرة ومدينة اللُّدّ في فلسطين، كذلك بنيت القصور الخاصّة في بادية الشاموقصور للاستجمام والاصطياف، كلّ هذا نتيجة تدفّق الأموال من أنحاء البلاد المفتوحة إلى الشام، فكثُر الترف وخصوصاً بين اُمراء البيت المالك (الاُموي)، وقامت مجالس اللهو والغناء واللعب بآلات القمار إضافة إلى كثرة الشراب والفساد.
أشهر الشعراء:
قيس بن الملوّح : قيس بن الملوّح بن مزاحم............ ت سنة 68هـ
أبو الأسود الدؤلي : ظالم بن سفيان ...................ت سنة 69هـ
عبيد الله القرشي : عبيد الله قيس الرقيات ............ت سنة 75هـ
أبو صخر الهُذلي : عبد الله بن سلمة السهمي ...........ت سنة 80هـ
ليلى الأخيلية : ليلى بنت عبد الله................... ت سنة 80هـ
جميل بثينة : جميل بن عبد الله بن معمر ...............ت سنة 82هـ
أعشى همدان : عبد الرحمن بن عبد الله .................ت سنة 83هـ
أعشى بن أبي ربيعة : عبد الله بن خارجة ...............ت سنة 85هـ
عمران بن حطان : عمران بن حطان البكري ................ت سنة 89هـ
مسكين الدارمي : ربيعة بن عامر .......................ت سنة 90هـ
عمرو بن أبي ربيعة : عمر بن عبد الله................. ت سنة 93هـ
الأخطل : غياث بن غوث ................................ت سنة 95هـ
عمر بن عبد العزيز : عمر بن عبد العزيز بن مروان .....ت سنة 101هـ
الأحوص: عبد الله بن محمّد .........................ت سنة 105هـ
كثير عزّة : كثير بن عبد الرحمن ....................ت سنة 105هـ
الفرزدق : همام بن غالب ............................ت سنة 110هـ
جرير : جرير بن عطية ...............................ت سنة 111هـ
ذو الرمّة : غيلان بن عقبة .........................ت سنة 117هـ
الطرمّاح : الطرمّاح بن حكيم .......................ت سنة 125هـ
الكميت : الكميت بن زيد الأسدي..................... ت سنة 126هـ
الوليد بن يزيد : الوليد بن يزيد بن عبد الملك ......ت سنة 126هـ
يزيد بن الوليد : يزيد بن الوليد بن عبد الملك ......ت سنة 126هـ
واصل بن عطاء : واصل بن عطاء الغزّال............... ت سنة 131هـ
عبد الحميد الكاتب : عبد الحميد بن يحيى ............ت سنة 132هـ
خالد بن صفوان : خالد بن صفوان بن عبد الله......... ت سنة 133هـ
أنواع الأدب في هذا العصر:
يمكننا أن نقسّم الأدب في هذا العصر إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأوّل:
الغزل بنوعيه، الغزل الماجن والغزل العفيف، مع نماذج شعرية من كلا النوعين.
القسم الثاني:
أدب الطفّ (عاشوراء) ويشمل نماذج من أقوال الإمام الحسينوأهل بيته(عليهم السلام) وأصحابه، بالإضافة إلى نماذج مختارة من أقوال مسؤولين من المعسكر الاُموي، مضافاً إلى ذلك نصوص قيلت بعد واقعة الطفّ. وهذا ما سنتحدّث عنه في الفصل القادم.
القسم الثالث:
الأدب والشعر السياسي الديني، والذي يحتوي على:
1 ـ شعر الشيعة: ويتمثّل بشعر الشاعر الكميت الأسدي.
2 ـ شعر الخوارج: ويتمثّل هذا النوع بشعر عمران بن حطّان الذي مدح ابن ملجم على ضربته لإمام المتّقين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) في محراب الكوفة.
3 ـ شعر المرجئة: وهم اُمويّون قالوا إنّنا نطيع الخليفة ولو كان فاسقاً ونرجئ أمره إلى الله فالله هو الذي يتولّى حسابه، ويمثّل هذا الجناح الأخطل المشهور بالخمريات، والحطيئة وجرير، إضافة إلى الفرزدق الذي كان يتردّد على البلاط الاُموي لسدّ ودفع التهمة ولكنّه في آخر عمره قرّر مصيره مع أهل البيت(عليهم السلام).
القسم الأوّل: الغــزل
لقد انحدر الغزل الاُموي من الغزل الجاهلي، والفارق هو أنّ الغزل في القصيدة الجاهلية كان غرضاً من أغراض القصيدة يأتي في أبيات، ثمّ ينتقل إلى غرض آخر في نفس القصيدة. أمّا في العصر الاُموي فقد أصبح الغزل يختصّ في قصيدة كاملة، فلا يذكر الشاعر في قصيدته غير الغزل. ويمكن تقسيم الغزل إلى نوعين:
1 ـ الغزل المـاجن ( الغزل الحضري ):
فهو غزل إباحي. وكثر مثل هذا الغزل في الحضر حيث المدينة والحضارة والثروة (إِنَّ الاِْنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَآهُ اسْتَغْنَى )، حيث اجتمع اليأس مع وفرة الثروة فانتجا اللهو والإسراف. وساعد على ذلك كثرة الرقيق وانتشار ضروب الملاهي والغناء والموسيقى، حيث توجد فضائح في البلاط الاُموي نُشرت في الكتب الأدبية والتي تعأنا بلعب في منخيري شرب الخمر والزنا وغيرها من المفاسد وأشعار الفسق والفجور من قِبل اُمراء الاُمويّين لا يمكن ذكرها، كالذي يفعله الوليد بن
عبد الملك، فقد كان في بلاطه حوضاً مملوءً بالشراب (الخمر) فكان يغتسل داخل هذا الحوض ويرتكب الزنا. ثمّ إنّ التاريخ يحدّثنا أنّ الوليد بن يزيد بن عبد الملك لمّا عهدت له الخلافة كان منهمكاً في اللهو والشراب وسماع الغناء، مستهتراً بالمعاصي منتهكاً للحرمات زنديقاً. وكانت له أشعار في المجون، حيث قيل إنّه استفتح في القرآن فاتّفقت له الآية الكريمة
وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّار عَنِيد)، فألقى المصحف من يده ورماه بسهم ثمّ أنشد:
تُهدّدُني بجبار عنيد ***** نعم أنا ذاك جبارٌ عنيد إذا ما جئت ربّك يوم حشر ***** فقل يا ربّ خرقني الوليد
كلّ هذه المظاهر الفاسدة والخارجة عن الإسلام وباسم الإسلام، بينما نلاحظ الجانب الآخر بيوت بني هاشم، يُسمع القرآن والبكاء والاستغفار حيث يذكرهم القرآن: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)
ومن أشهر شعراء الغزل الماجن، عمر بن أبي ربيعة والأحوص والوليد بن يزيد. إنّ عمر بن أبي ربيعة كان يعشق هند (هند غير هند اُمّ معاوية) حيث قال: كُلّما قلتُ متى ميعادُنا ***** ضحِكَتْ هندٌ وقالت بعد غد
2 ـ الغزل العفيف ( العذري ):
كثر مثل هذا الشعر في البدو حيث الخيمة والفقر، فقد اجتمع الفقر والحرمان، وعفّت النفس واللسان. ويلقّبون شعراء هذا النوع من الغزل بشعراء العشّاق حيث
كانوا يعيشون في نجد مجاور الحجاز، لذا سمّيت نجد بأرض العشّاق، ويمتاز شعرهم بالعفّة والعذوبة، وأنّه سهل مُحبّب إلى النفس الإنسانية.
وأشهر شعراء العشّاق:
أ ـ قيس بن الملوّح، يُذكر اسمه مع بنت عمّه ليلى العامرية، واشتهر بمجنون ليلى.
ب ـ جميل، وله شعر في بثينة، ولأجل ذلك سمّي بـ (جميل بثينة).
جـ ـ كُثَيِّر، كان يحبّ ويعشق عزّة.
د ـ عروة في عفراء، له شعر فيها.
هـ ـ توبة له شعر في ليلى الأخيلية، وهما شاعران.
وهناك شعراء كثيرون في هذا المجال، نكتفي بذكر ثلاثة منهم:
كُثَيِّر عزّة :
اسمه كَثِير بفتح الكاف وأنا بلعب في منخيرير الثاء ولفرط قِصَرِه سمّي بِكُثيِّر. وُلد في عام 23هـ بالحجاز، وكان يرعى الأغنام، ويروى أنّه اعتنق مذهب الكيسانيّة، وقد اختلف في تاريخ وفاته، والأرجح أنّه توفّي سنة 105
إنّ المتتبّع لاُسلوب وألفاظ كُثيّر يجدها تتباين بين الوضوح والغرابة والسهولة والتعقيد. يحتوي ديوانه على أكثر الأغراض الشعرية ولكن أبرزها شعره الغزلي العذري والذي ينبع من الطبيعة البدوية الصافية وبُعدها عن ترف المدن.
المختار من شعره:
خليلي هذا ربع عزة فاعقلا ***** قُلُوصيكما ثمّ ابكيا حيثُ حلّت
وما كنت أدري قبل عَزَّة ما البُكا ***** ولا مُوجعاتُ القلب حتّى تَوَلَّتِوكانت لقطع الحبل بيني وبينها ***** كناذرة نذراً فأوفت وحلَّتِ فقلتُ لها يا عَزُّ كُلُّ مصيبَة ** إذا وُطِّنَتْ يوماً لها النفس ذَلَّتِ فلا يَحسبِ الواشون أنّ صبابتي ** بعزَّةَ كانت غمْرةً فتجلَّتِفواللهِ ثمَّ واللهِ لا حلَّ بعدها ** ولا قبلها من خُلّة حيث حلَّتِ تمنَّيتُها حتّى إذا ما رأيتُها ** رأيتُ المنايا شَرعاً قد أظلَّتِ
قيس بن الملوّح :
قيس بن الملوّح، أو قيس بن معاذ (مجنون ليلى)، ويقولون إنّه كان مجنون بني عامر أو إنّه مجنون بني جَعْدة.
شعر قيس:
دخل الأدب الفارسي والهندي والاردو والآداب الاُخرى، حيث تُرجم إلى لغات عديدة. ولذا حوّلوا مجنون ليلى إلى اُسطورة ورمز للحبّ العرفاني، بينما كان في الواقع حبّ بشري حقيقي. ومن أشهر من كتب وأبدع في قصّة مجنون ليلى جاميونظامي. وقد تركت قصّة مجنون ليلى أثراً عظيماً في الأدبين الفارسي والتركي. روي
إنّه كان إذا اشتدّ شوقه إلى ليلى يمرّ على آثار المنازل التي كانت تسكنها فتارةً يقبّلها وتارة يبكي وينشد هذين البيتين:
أَمُرُّ على الديارِ، دِيار ليلى ***** اُقبِّلُ ذا الجِدارَ وذَا الجدارا وما حبُّ الديارِ شغفنَ قلبي ***** ولكن حُبُّ مَنْ سكن الديارا
وهذه القصيدة الغزلية المشهورة ردٌّ على الذين يقولون لماذا أنتم تقبّلون أضرحة الأئمّة(عليهم السلام)؟!
ويروى أنّ والد قيس بعد أن قضى نسكه جمع أعمامه وأخواله فلاموه وقالوا: لا خير لك في ليلى ولا لها فيك، فأنشا يقول:
وقد لامني في حبّ ليلى أقاربٌ ***** أبي وابن عمِّي وابنُ خالي وخالياأرى أهل ليلى لا يريدون بيعها ***** بشيء ولا أهلي يريدونها لِيا ألا يا حماماتِ العراق أعِنَّني ***** على شجني وابكين مثل بُكائيا يقولون ليلى بالعراق مريضةٌ ***** فيا ليتني كنتُ الطبيب المداويا فيا عجباً ممّن يلومُ على الهوى ***** فتىً دنفاً أمسى منالصبر عاريا فإن تمنعوا ليلى وتحموا بِلادها ***** عليَّ فلن تحموا على القوافيا
وقال أيضاً:
ألا قاتَلَ الله الهوى ما أشدّه ***** وأسرعه للمرءِ وهو جليدُ دعاني الهوى من نحوها فأجبته ***** فأصبح بي يستن حيث يريدُ
توفّي قيس سنة 68هـ.
جميل بثينة :
جميل بن عبد الله بن معمر العُذري. وُلد بالحجاز سنة 40هـ (660 ميلادي)، كان يميل إلى حبّ ابنة عمّه واسمها بثينة، لذا عُرف بجميل بثينة، فقال فيها الشعر، حيث إنّ شعره فصيح ورقيق سهل التراكيب وواضح المعاني، ذكره حسّان بن ثابتوقال: «جميل أشعر أهل الجاهلية والإسلام، والله ما لأحد منهم مثل هجائه ونسيبه»
وجميع شعره في الغزل إلاّ مقاطع شعرية قليلة قالها في هجاء زوج بثينة وقومها
قال في بثينة:
فلو أرسلَتْ يوماً بُثينة تبْتغي ***** يميني وإن عزَّت عليَّ يميني لأعطيتها ما جاء يبغي رسولها ***** وقلتُ لها بعد اليمين سَلِيني
وخلاصة القول:
إنّ شعر الغزل كان على أوصاف جَمَّة، فمنه الهجران والفراق وألم
الرحيل والمشيب، فمن الغزل ما هو تقليدي بدوي يترسّم به الأقدمون من وقوف على الأطلال وذكر أماكن البدو، ومنه الجديد المترف حيث تحسّ فيه عاطفيّة الشاعر المتوفّرة، حيث يصف عواطف نفسه وأهواءها وشجُونها، ويصف اللقاء والوداع، إضافةً إلى وصفه مجالس اللهو والاُنس والخمر والحبيب.
توفّي جميل بثينة سنة 82هـ.