رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم .
قال فيهم الله تعالى :- بسم الله الرحمن الرحيم
" أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب "
صدق الله العظيم
وأول من نبدأ به حديثنا هو أول سفراء الإسلام " مصعب بن عمير "هو أحد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فهو غرة فتيان قريش وأوفاهم بهاءً وجمالاً وشباباً
ولد فى النعمة وغذى بها وشب تحت خمائلها ..
لقد سمع الفتى ذات يوم ما بدأأهل مكة يسمعونه عن محمد الأمين.. الذى يقول إن الله أرسله بشيراً ونذيراً وداعياً إلى عبادة الله الواحد الأحد وحين كانت مكة تمسى وتصبح ولا هم لها إلا الرسول صلى الله عليه وسلم ودينه .
وبالرغم من حداثة سنه كانت زينة المجالس والندوات تحرص على أن يكون مصعب بين حاضريها وذلك لأناقة المظهر ورجاحة العقل..
ولقد سمع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يجتمع بمن أمن معه بعيداً فى دار الأرقم فصحب نفسه ذات مساء إلى هناك وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يلتقى بأصحابه فيتلو عليهم من القرآن ويصلى بهم فجلس يسمع ويرى حتى كان فؤاد " ابن عمير " فى تلك الأمسية هو الفؤاد الموعود...!!
كانت أم مصعب " خناس بنت مالك " تتمتع بقوة فذة فى شخصيتها وكانت تهاب إلى حد الرهبة .
ولم يكن " مصعب " حين أسلم ليحاذر أو يخاف على ظهر الأرض قوة سوى أمه . لذا فكر سريعاً وقرر أن يكتم إسلامه حتى يقضى الله أمراً.. وظل يتردد على دار الأرقم ويجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قرير العين بإيمانه وبتفاديه غضب أمه التى لاتعلم عن إسلامه خبراً..
ولكن مكة وفى تلك الأيام بالذات لايخفى فيها سر فعيون قريش وآذانها على كل طريق . ولقد أبصر به " عثمان بن طلحة " وهو يدخل خفية إلى دار الأرقم ثم رآه مرة أخرى وهو يصلى كصلاة محمد فسابق ريح الصحراء وزوابعها ذاهباً إلى أم مصعب حيث ألقى عليها النبأ الذى طار بصوابها ...
ووقف مصعب أمام أمه وعشيرته وأشراف مكة يتلو عليهم فى يقين الحق وثباته القرآن الذى يغسل به الرسول قلوبهم ويملؤها به حكمة وشرفاً وعدلاً وتقى ..
وهمت أمه أن تسكته بلطمة قاسية ولكن ما لبثت أن أسترخت وتحت ضغط أمومتها ستعفيه من الضرب والأذى وسوف تثأر للآلهة التى تركها بأسلوب آخر..فمضت به إلى ركن من أركان دارها وحبسته وأحكمت عليه الإغلاق وظل رهين الحبس حتى خرج بعض المؤمنين مهاجرين إلى أرض الحبشةفغافل أمه وحراسه ومضى إلى الحبشة مهاجراً أوابا ..
وقد خرج يوماً على بعض المسلمين وهم ملتفون حول الرسول صلى الله عليه وسلم فما إن بصروا به حتى حنوا رؤسهم وغضوا أبصارهم وذرفت بعض عيونهم دمعاً لانهم رأوه يرتدى جلباباً مرقعاً وتذكروا صورته قبل إسلامه حين كانت ثيابه كزهور الحديقة نضرة .. ولقد تأمله الرسول صلى الله عليه وسلم بنظرات حكيمة وقال :
لقد رأيت مصعباً هذا وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه ثم ترك ذلك كله حباً لله ورسوله..!!
ولقد منعته أمه حين يأست من رديه كل ما كانت تفيض عليه من نعمة..
وأبت أن يأكل طعامها إنسان هجر الآلهة وحاقت به لعنتها حتى ولو كان ابنها ..
ولقد كان أخر عهدها به حين حاولت حبسه مرة أخرى بعد رجوعه من الحبشة فآلى على نفسه لئن هى فعلت ليقتلن كل من تستعين به على حبسه ..وإنها لتعلم صدق عزمه إذا هم وعزم فودعته باكية وأخرجته من بيتها وهى تقول أذهب لشأنك لم أعد لك أماً .. فأقترب منها وقال "" ياأماه إنى لك ناصح وعليك شفوق فاشهدى أنه لاإله إلاالله وأن محمداً عبده ورسوله "" فأجابته غاضبة "" قسماً بالثواقب لاأدخل فى دينك فيزرى برأيى ويضعف عقلى "" ...
وخرج مصعب من النعمة التى كان يعيش فيها بعد ما كان الفتى المتأنق المعطر أصبح لايرى إلا مرتدياً أخشن الثياب يأكل يوماً ويجوع أياماً ولكن روحه المتأنقة بسمو العقيدة والمتألقة بنور الله .. قد جعلت منه أنساناً أخر يملأ الأعين جلالاً والأنفس روعة ..
لم ينتهى الحديث بعد عن " مصعب بن عمير " ولنكمله فى حلقة أخرى ..